السبت، 11 فبراير 2012

الجاليات العربية والمسلمة في ألمانيا بين الإندماج والوقاية






































”هذا البلد، هو بلد ذو طابع وقيم مسيحية-غربية ممتدة عبر عصور، وأتمنى أن يكون هذا أمراً واضحاً لا شك فيه.“ بكلمات كهذه أراد وزير الداخلية الألماني هانس بيتر فريدريش (عن الحزب الإجتماعي المسيحي البافاري) وضع النقاط على الحروف في إفتتاح ”المؤتمر الإسلامي الألماني“ السادس الذي عقد في التاسع والعشرين من شهر اذار/مارس الماضي في برلين. لكن يبدو أن الوزير الجديد أخطأ الحروف فتحول المؤتمر إلى خلاف بدل أن يكون مؤتمر حوار لوضع خطط تساعد على ”إندماج“ المسلمين في المجتمع الألماني ووصل الأمر إلى أن تطلب النائبة عايدان ازوغوز (عن الحزب الديمقراطي الإجتماعي الألماني) من المسلمين أن يقاطعوا المؤتمر مستقبلاً إلى أن يأتي من هو أكفأ وأجدر من وزير الداخلية، ليترأس مؤتمراً من هذا النوع.

أحد الإشكاليات الرئيسية في مطالب الوزير تكمن في القمة التي يريد عقدها خلال الأشهر القليلة القادمة ويطلق عليها إسم قمة ”الوقاية“ وهي قمة يريد لها أن تعقد مع ممثلين عن الجالية المسلمة، جمعيات وأفراد، لمناقشة سبل التعاون بين المواطنين المسلمين والدولة من أجل الحفاظ على الأمن والوقاية من التطرف الإسلامي.
وما يلفت الانتباه في طروحات الوزير وخطابه هو الافتراضات والتعميمات التي يرتكز عليها. فوضع الملايين الأربعة من ذوي الأصول المسلمة الذين يعيشون في ألمانيا في خانة واحدة يفترض هوية جامعة ذات جوهر ديني ويمحو الاختلافات والفوارق القومية والإثنية (التركية واللبنانية والمغربية وغيرها، على سبيل المثال لا الحصر) ويصهر العلاقات المختلفة والمتباينة لكل مسلم مع ثقافته الدينية. أضف إلى ذلك أن الكثير من هؤلاء ولد في ألمانيا وقد تكون علاقتهم مع البلد الـأصلي لذويهم واهية. لكن الأخطر في ربط الجاليات المسلمة وإشكاليات وتحديات الإندماج من جهة بقضية أمن الدولة والإرهاب هو بأنه يؤدي إلى تجريم مجموعات كاملة من المواطنين وفقاً لافتراضات ذات أسس واهية. كما يشجع على تنمية العنصرية التي يشرأب عنقها لتطلق اتهاماتها يمينا ويساراً، كما رأينا في حالات مشابهة في الولايات المتحدة، فتصبح كل إمرأة محجبة أو بائع خضرة تركي إرهابيين محتملين في ألمانيا.

والمثير عند الحديث عن قضية إندماج المهاجرين أنه يتم إستثناء الأغلبية العظمى من المهاجرين، والتركيز على الآخر المسلم الشرقأوسطي دون غيره. فأغلب المهاجرين الذين يعيشون في المانيا هم من دول أوربا الشرقية وليسوا من الشرق الأوسط، والحديث يدور حول المسلمين عامة والعرب والأتراك خاصة. وكلما دار الحديث حول ”عدم الإندماج“ فإن اللوم يوجه بشكل كامل تقريباً على المهاجرين لوحدهم، دون التفكير أو النظر إلى الأسباب والعوامل المادية والمؤسساتية التي تؤدي إلى تدني نسبة التعليم وإرتفاع البطالة وعدم إتقان اللغة الألمانية عند البعض ورد ذلك إلى مشاكل ”ثقافية” تتعلق بالإسلام والمسلمين. ما يتم تناسيه في هذا الحديث أن أي إصلاحات جذرية لأوضاع المهاجرين، ومن ضمنهم المهاجرون من الشرق الاوسط مسلمين ومسيحيين، لا يمكن أن تنجح إلا بدعم الدولة الألمانية ممثلة بمؤسساتها التي ما زالت تعاني من بيروقراطية لا يستهان بها.

بالإضافة إلى ذلك، فأن مصطلح وخطاب الإندماج يستعملان بصورة فضفاضة دون تعريف واضح بما هو المقصود. فهل على الشخص المهاجر أن ينصهر إلى درجة الذوبان وانعدام الملامح في المجتمع الجديد، الذي يختار طوعاً أو إجباراً اللجوء اليه، كي يصبح مواطناً مندمجاً؟ وماذا عن التعددية الثقافية التي يتم التشدق بها؟ ألم تقم أوربا بصورتها الحالية والتعددية على هذا المبدأ، أي مبدأ المساوة والعيش تحت سقف أسس إنسانية مشتركة دون محو وسيطرة ثقافة على غيرها. وإلا فما الهدف من وراء ”هدر“ الأموال على الترجمات والتعدد اللغوي مثلاً؟

إن إقصاء التعددية والتعامل مع الهوية الجمعية لأي مجتمع على أنها جوهر ثابت واضح الملامح لا يتغير ولا يقبل بالتغير هو تعامي عن حقائق مادية واضحة، كما أنه يغازل عنصرية كامنة. فنرى أن أولئك الذين إنصهروا بكل معنى الكلمة في المجتمع الألماني، بغض النظر عن الأسباب، والذين لا يتحدثون العربية أو التركية، إلا أن أسماءهم وبشرتهم تشي بخلفية أصولهم، يسألون كثيراً: متى ستعودون إلى بلدكم؟

لعل ألمانيا لا تختلف كثيراً عن الكثير من الدول الأوربية الأخرى التي لاتريد أن تتقبل حقيقة أن المهاجرين وثقافاتهم ودياناتهم أصبحت جزء من هويتها كما أنه على المهاجرين، أن يدركوا بأنهم جزء من البلد الذي يعيشون به. ومن المؤسف أن كلمة رئيس الدولة الألمانية كريستيان فولف (الاتحاد الديمقراطي المسيحي) لقيت إستياء من الكثيرين في الطبقة السياسية في المانيا، عندما تحدث قبل أقل من عام حين تولى منصبه وفي خطابه الأول، عن أن الإسلام جزء من ألمانيا. وكان وزير الداخلية، فريدرش، من الذين تصدوا للرئيس حيث قال بأنه ”لا يوجد دليل تاريخي على أن الإسلام كان يوما ما جزء من الثقافة الألمانية.“

هناك إنتقادات يمكن توجيهها إلى المؤتمر الإسلامي الألماني الذي يجمع الكثير من أطياف الجاليات الإسلامية إلا أنه مكون من جمعيات ومؤسسات يقول البعض بأنها لا تمثل وقد لا تتواصل مع شرائح واسعة من الجاليات، وخصوصاً الشباب منهم. ومع ذلك، فلا يمكن التقليل من الإنجازات القليلة التي قام بتحقيقها من حيث فرض نقاش حول إمكانية تدريس مادة الدين الإسلامي في المدارس الألمانية ووضع دراسة حول ”حياة المسلمين في ألمانيا“ إضافة إلى مشاريع تدريس ائمة في الجامعات الألمانية وتأهيل الائمة المسلمين لغوياً ومعرفياً لكي يكونوا على معرفة واطلاع أوسع على ثقافة وتاريخ ألمانيا. هذه الإنجازات القليلة التي تم التوصل اليها مهددة اليوم بالنسف إذا ما أصر الوزير على تعصبه وتشدده وعلى تغليب الخطاب الأمني حرمان الآخر المسلم من إمكانية الانتماء إلى الثقافة الألمانية والمجتمع الألماني ووضعه تحت المراقبة الثقافية ورهن إمكانات اندماجه بالخدمات التي يقدمها للأجهزة الأمنية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم