الجمعة، 18 يونيو 2010

قطار الزواج... عزوبة وعنوسة


شابات طنجة يتحررن من التقاليد ويفضلن العنوسة على الزواج
" أصبح يتملكني شعور بالخوف الشديد من الزواج ونتائجه، وبت أفضل ألف مرة أن أبقى عانسا على أن أصبح امرأة مطلقة، لأنني متعلمة وأشتغل لأساعد أسرتي، والعمل يأخذ الجزء الأكبر من وقتي".
العلاقة بين المرأة والرجل في المغرب عرفت تحولا عميقا
بهذه الجمل المعبرة أفصحت شابة لا يتجاوز عمرها 27 سنة عن ما يخالج صدرها قبل أن تتدخل صديقتها لتضيف بحماسة أكثر قائلة " لا نريد الزواج لمجرد الزواج، لأن ذلك سيقضي حتما على طموحاتنا وسيوقف مساعدتنا لأسرنا الفقيرة، فجل الشباب يفضلون الزوجة التي ستساعدهم على حل أزماتهم المادية، ويضعون المرأة أمام أمرين اثنين، إما أن ترضى لذلك مرغمة، أو يكون مصير علاقتهما الزوال ".
شهادتان تعبران بصراحة فائقة عن التحول العميق الذي عرفته العلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع المغربي، وبالخصوص في مدينة طنجة، حيث أصبحت النساء فيها أكثر جرأة من الرجل في تكسير أغلال التقاليد والممنوعات التي كانت سائدة في الماضي، والتي وصفها البعض بـ " ثورة الحريم ".
وهذا ما أكدته جل التصريحات والحوارات التي أجرتها " الصحراء المغربية " مع شريحة واسعة من " الطنجاويات«، ومن بينهم شابة يبدو أنها لم تتجاوز بعد العشرين ربيعا، والتي أكدت بشدة بالغة عدم رغبتها في الزواج، رغم أن أهلها ينتظرون، على أحر من الجمر، ابن الحلال الذي سيركبها القطار الذي قررت صارمة أن ألا تركبه أبدا، وعللت هذه الشابة، التي رفضت الإفصاح عن اسمها، الأسباب ببراءة متناهية وهي تقول " تجارب أخواتي الفاشلة كافية لأن تجعلني أتهرب من الزواج إلى الأبد.
فأختي الكبرى تزوجت من ابن عمنا الذي كنا دائما نفتخر به، إلا أنه أهان كرامتها وجرح كبرياءها بالضرب والأذى بسبب خلافها الدائم معه حول السهر خارج المنزل حتى الساعات الأولى من الصباح ".
تصور أن هذا الشخص، تقول الشابة وعلامات الأسى بادية على وجهها، لم يحدث أبدا أن شاهد النعاس يداعب جفون أطفاله قبل نومهم، لأنه كان يدخل البيت دائما ليجدهم في سبات عميق، وعندما تعاتبه أختي يشتعل نارا ويتحول إلى " عفريت من عفاريت سيدنا سليمان«، مما حذا بأختي أخيرا إلى الاستسلام وأصبحت غير مبالية بوجوده أو عدمه واقتنعت برأي الأهل أن " الرجل ستر المرأة ".
أما أختي الثانية أحبت زميلها وتزوجت منه هربا من زواج ابن العم حتى لا تتكرر المأساة الأولى، لكن ذلك الحب لم يدم سوى أشهر معدودة، إذ عاد الزوج المهووس بالمعاكسات الهاتفية والمواعيد الغرامية يمارس هوايته ناسيا أنه أب ورب أسرة، فذهبت أختي إلى المصير السابق نفسه، بعد أن آمنت بأن جحيم الزواج أخف وطأة من الطلاق.
أما الأخيرة، وهي تكبرني بعامين فتزوجت من شاب لم ينل حظه من التعليم، فأصيب بعقدة بعد أن وجد نفسه مع إنسانة تدرس في الجامعة وتصر على مواصلة تعليمها، فحول حياتها إلى جحيم بشكه في سلوكها وفي تصرفها، وأصبح يلوح بأن التعليم يفسد أخلاق البنت، وأن الزوجة المتعلمة متعجرفة ومتعالية ويجب أن " تسحق قبل أن ترفع رأسها "
وتتوقف الشابة قليلا لتبتلع الغصة ثم تتساءل قائلة " أليست كل هذه التجارب غير كافية؟ أتريدونني أن أتخلى عن مبادئي و أوافق على الزواج؟ لا أعتقد، فنار العنوسة أرحم ".
وعند انتقالنا إلى الجانب الآخر، وجدنا أن هناك عوامل وأسباب أخرى تؤدي إلى إشكالية العزوف أو التأخر في الزواج عند الشباب، وهي ظاهرة أصبحت عامة بسبب انعدام الثقة التي تكونت لدى الشاب تجاه الفتاة، وكذا نتيجة للحرية الزائدة التي تتمتع بها الفتاة وجرأة سلوكها بصفة عامة، بالإضافة إلى الحقوق " الزائدة " التي منحتها إياها أخيرا " مدونة الأسرة«، والتي ذهب بعضهم إلى وصفها بـ " الخطير"، إذ يعتقد الكثير ممن التقت بهم " الصحراء المغربية"، أن هذه الحقوق من الممكن أن تؤدي إلى الإفلاس واستنزاف الجيوب في حالة ما فكروا، يوما، في إشهار " الورقة الحمراء«، في وجه زوجاتهم.
أضف إلى ذلك قائمة الوثائق التي يشترط إحضارها من الإدارات العمومية والكشف الطبي والضمانات المقدمة للمرأة في حالة الطلاق، لاسيما أن الرجل تعود عبر التاريخ على اعتبار قرار الطلاق امتيازا مجتمعيا يجعل المرأة دائما تسعى إلى رضاه ولا تتمرد عليه أو ترفع صوتها مطالبة بحقوقها كزوجة تربطها به علاقة التشارك.
وفي هذا السياق، يقول حسن م (45 سنة) "قد يسخر البعض من حديثي ويعتقد أني إنسان غير طبيعي وقد يتهمني البعض الآخر بالتطرف والجرأة، لكن ذلك لا يهم، طالما أنني أشعر بسعادة غامرة وأنعم بالحرية وأملك حق اتخاذ القرار الذي يفتقد إليه مئات الأزواج من أصدقائي الذين أشفق عليهم وأطلب من الله عز وجل أن ينير طريقهم ويفك قيودهم، إنه سميع الدعاء ".
ثم يضيف حسن، الذي انفصل عن زوجته منذ أكثر من خمس سنوات " لقد أثرت أحداث فترة الزواج على حياتي كثيرا، فلم أعد أثق بالمرأة ولا أفكر إطلاقا في إعادة التجربة، لأنه ليس هناك فرق بين امرأة وأخرى.
فأنا اليوم أحس وكأني نحلة تتنقل من زهرة إلى أخرى، وأتصرف بحرية كاملة، لدرجة أجد فيها نفسي وكأنني في حلم دائمأ " أما عزيز ب (38 سنة)، فاعتبر تأخيره عن الزواج حتى هذه السن لا يعني له شيئا، ولا يسبب له أي إحراج أو مشاكل رغم أنه يعيش وحيدا في شقته، وقال وهو واثق من نفسه " كان الرجل في السابق يتعرض لصعوبات جمة إذا كان يعيش لوحده، لأنه يحتاج إلى زوجة تشبع غريزته الجنسية وتعد له الطعام وتقوم بتنظيف المنزل وغسل الملابس، إلا أن كل هذه الأمور أصبحت اليوم متوفرة وبكيفية أفضل، وأصبحت المرأة لا تمثل ضرورة ملحة بالنسبة للرجل، والعكس الصحيح "
ربما هي رغبة ذاتية لهذا الشاب، ولكن أمثاله كثر ويحملون الأفكار نفسها، وهو الأمر الذي أكده الدكتور ع بنشعبوشي، طبيب اختصاصي في أمراض النساء، كما دعا أيضا إلى ضرورة إعادة الاعتبار لمؤسسة الزواج، وتهذيب سلوكات هؤلاء الشباب الذين تشوهت أفكارهم بفعل الاختلاط بين الجنسين وإطلاق العنان للخلوة بلا حدود ولا رادع، مع وضع حد لظاهرة التبرج بين الفتيات في المدرسة والشارع بدعوى الحرية والتقدم
وقال بنشعبوشي في تصريح لـ " الصحراء المغربية«، إن " كثيرا من الشباب يعمدون إلى التسكع في الشوارع وفي مراكز التسوق جريا وراء إشباع رغباتهم الجنسية بطرق غير شرعية، وهو الأمر الذي يقلل من اندفاع الشباب نحو الزواج، معللين ذلك بعدم أهليتهم واستطاعتهم تحمل المسؤولية، علما أن هناك شباب تجدهم يركبون سيارات فخمة ويضعون عليها عدة هواتف نقالة، وعندما تسألهم عن الزواج يقولون لك لا نستطيع ".
وبخصوص استفحال ظاهرة العنوسة، ذكر الدكتور أن هذه المشكلة منتشرة في كل مناطق المملكة، وهي ترجع، إذا ما استثنينا ما سبق ذكره، إلى تفشي حالات الطلاق التي أضحت تولد شعورا بالخوف لدى الفتاة، وأرغمت الأسر على التأني والتريث في اختيار الزوج المناسب لبناتها، دون الاهتمام بالتقدم في العمر.
كما أن الإعلام، يقول الدكتور، أصبح يلعب دورا سلبيا في إضراب الفتاة عن الزواج، بتقديمه لمشاهد الخيانة الزوجية وانهيار الأسرة وما تعانيه الزوجة بعد ذلك من مشاكل
من جهة أخرى، أوضح عدول في هيئة طنجة، أن عدد عقود الزواج فاق في السنة الماضية 7 آلاف عقد نكاح وحالات الطلاق تجاوزت ألفين حالة.
وذكر أن الطلاق الخلعي شكل النسبة الكبرى، بينما احتل الطلاق الرجعي المرتبة الثانية، فيما بقيت نسب حالات الطلاق قبل البناء والطلاق المكمل للثلاث متدنية كما أوضح العدول نفسه، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن عدد حالات الزواج والطلاق سوف تشهد انخفاضا ملموسا خلال السنوات المقبلة، والسبب يرجع برأيه إلى الإصلاحات الأخيرة الذي شهدتها " مدونة الأسرة"، وكذا المواجهات التي تتم بين الزوجين في المحكمة وما يتخللها من مشادات.
وعن المدة التي أصبح يتطلبها البت في ملف، أكد المصدر ذاته أن الملف يبقى معروضا على القاضي لمدة لا تتجاوز في الأقصى الشهرين، حسب حالة الطلاق وما قد ينجم عن التطليق من مشاكل كحضانة الأطفال والنفقة وغيرها، موضحا أن الجلسة الأولى تكون دائما من أجل محاولة الصلح بين الزوجين، بينما لا يتجاوز عدد جلسات الطلاق الخلعي جلستين اثنتين يتم إصدار الحكم في آخرها، مبرزا في السياق نفسه أن امتناع الزوجة عن حضور جلسات الطلاق يسبب غالبا في ضياع حقوقها.
www.almaghribia.ma

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم